الثلاثاء، مارس 13، 2018

النزاع في القرن الافريقي

‏بمناسبة النزاع الحاصل اليوم بين جمهورية الصومال - مقديشو و جمهورية أرض الصومال - هرجيسا بخصوصا ميناء بربرة، اعتقد من واجبنا أن نعرف أكثر عن الصومال الشقيق.

‏ من الطبيعي ان حكومة مقديشو في الإقليم الجنوبي للصومال لا تعترف باي إقاليم مستقله، و هي لها كامل السيادة على الأقل (دوليا) على الأرضي الصومالية.

و لكن الواقع يقول عكس هذا فهرجيسا و جاروي (عاصمتا جمهورية ارض الصومال و ولاية بونتلاند) لهما استقلال كامل عن مقديشو بكل شيء و ليس استقلال أو حكم ذاتي كحكم كردستان الخاضع في كل شيء لسلطة الدولة المركزية في العراق.

‏عشان نفهم شوية لازم نعرف معلومات أكثر عن الصومال بعيدا أن الأهواء السياسية و العواطف
الصومال قومية كبيرة تعيش في القرن الأفريقي و تتكون من اجزاء في جيبوتي الفرنسية و جمهورية الصومال بشقيها البريطاني و الإيطالي و اوغادين في إثيوبيا و أجزاء حدودية مع كينيا الان.

الصومال كدولة مستقلة كانت مقسمة بين اقليم الشمال أرض الصومال المستعمر من قبل بريطاني و يسمى الصومال البريطانية و استقلت قبل شقيقتها صوماليا الايطالية في الجنوب بشهر واحد في 1960م.

و سعيا خلف تأسيس الصومال الكبرى بجميع فروعها سعى الشطرين بسرعة إلى إعلان الوحدة بنفس العام، و لكن بدأت تظهر المشاكل بسرعة نتيجة ممارسات السلطة المركزية في مقديشو، فبعد عام واحد من إعلان الوحدة استقال نواب البرلمان الممثلين عن اقليم أرض الصومال احتجاجا على الوضع السياسي الذي بدأ يتشكل لصالح الإقليم الجنوبي.

عندها شعر الشمال بانه تسرع بالوحدة خصوصا و بعد انقلاب 1969م بقيادة محمد سيد برى و سيطرته على مقاليد الحكم و تاسيسة لنظام شمولي عسكري و كرس هذا أيضا ان بعد استقلال جيبوتي عن فرنسا في 1977م رفض الصوماليين في جيبوتي الانضمام لجمهورية صومال.

نظام محمد سيد برى كان نظام قمعي شمولي شيوعي عسكري تعامل مع باقي القبائل في الاقليم الصومالية بشكل قاسي و دامي مما جعل الشمال يعزز فكرة الانفصال لديه، ولان في السبعينات كان الجيش الصومالي من أقوى الجيوش في افريقيا كان من المستحيل انتزاع الانفصال بالقوة.

ولكن أتت الرياح بما تشتهي السفن، قام الرئيس محمد سياد بري بخوض حرب ضروس مع إثيوبيا لاستعادة اقليم اوغادين أحد أقاليم الصومال الكبرى، وخسر المعركة رغم انه كان مسيطر و استعاد ارضي شاسعة من إقليم اوغادين بالكامل و هزم تقريبا إثيوبيا في الحرب.

لولا الدعم الروسيا ل‏إثيوبيا و تدخلها، مع العلم أن محمد سياد بري كان شيوعي و مؤسس للحزب الاشتراكي في الصومال و كذلك كان منغستو هيلا مريام زعيم إثيوبيا انداك، إلا ان روسيا و كوبا و اليمن الجنوبي انداك شاركوا في الحرب مع إثيوبيا ضد الصومال و رجحوا كفت اثيوبيا و تعد هذه الحرب أهم أسباب انهيار الجيش الصومالي فيما بعد.

‏ولهذا في مطلع الثمانينات تأسست حركة تحرير أرض الصومال العسكرية (الحركة الوطنية) في لندن و أخذت من أرضها في اثيوبيا قاعدة لها (الانتقام الاثيوبي) لتكوين جيش مقاتل دخلت حرب ضد قوات النظام الصومالي لمدة سنتين أسفرت إلى سيطرة قوات الحركة على جميع الأرضي في إقليم أرض الصومال عام 90م.

و نتيجة لانهيار الدولة المركزية في مقديشو 91م والي من أسبابها طبعا حرب أرض الصومال و النزاع على السلطة بعد سقوط نظام محمد سياد بري، تم الإعلان عن استقلال و قيام جمهورية أرض الصومال في 18 مايو 1991م علي حدودها المعترف بها عام 1960م و عاصمتها هرجيسا.

و لأن مصائب قوم عند قوم فوائد، فبعد إعلان الاستقلال و أعطى حركة تحرير أرض الصومال الحكم لمدة عامين لتشكل مجلس الشيوخ و الحكومة و دستور جديد و تنشئ جميع مظاهر الدولة، كانت الحرب الاهلية في الجنوب الصومالي مقديشو فرصة كبيرة للشمال لتأسيس كل هذا بدون اي منغصات، بمعنى اخر طوال 25 سنة هرجيسا تعمل كدولة ديمقراطية مستقلة.

‏و على غرار نجاح التجربة في الشمال (جمهورية أرض الصومال) قررت ولاية بونتلاند و عاصمتها جاروي و اهم ميناء لها في مدينة بساسو، و هي أحدى الأقاليم الثلاثة المكونة لجمهورية الصومال حاليا، إعلان الاستقلال هي كمان عام 1998م تحت حكم ذاتي مستقل عن مقديشو، و رغم أن التجربة حديثة و شابتها نزاعات مسلحة على الحكم و لأنها كانت مرتع القراصنة، و لكنها تجاوزت هذا كله حاليا، حتى ان اليوم هناك نزاع حدودي بين اقليم بونتلاند و أرض الصومال.

مع الإشارة إلى أن ولاية بونتلاند لا تمانع الوحدة مع مقديشو بشرط منحها امتيازات و صلاحيات واسعة بعكس (صومالاند) التي ترفض الوحدة تماما، ‏و مع هذا الحكومة المركزية في مقديشو لا تعترف بها و تعتبرها محاولة فاشلة لفرض الفيدالية على حكومة مقديشو، كل هذا الانقسام في السلطة الصومالية أضعف بتأكيد الحكومة المركزية في مقديشو التي لا تزال تتعافى تدريجيا من حرب انهكتها فعليا.

‏مقديشو اليوم ليست تلك المدينة مطبوعة في الذاكرة العربية (حرب و دمار و لجوء للخارج و عدم استقرار) بل هي اليوم عاصمة مستقرة تحاول استقطاب الاستثمارات الأجنبية (تركية و قطرية) و بناء البنية التحتية و الوقوف على ارجلها مرة اخرى بعد ان انتهت الحرب فيها.

‏الوضع اليوم في الصومال عبارة عن ثلاثة اقاليم، منهم 2 اقليم منفصلين فعليا و لهم حكم ذاتي مستقل(أمر واقع) عندهم علاقات ممتازة بالامارات تحديدا و اقليم واحد يطالب شكليا لاستعادة فرض السيطرة على الأقاليم الأخرى المستقلة، برغك انه لا يمتلك السيطرة الكاملة ع اراضي اقليمة.

‏ ‏منطقة القرن الإفريقي في صراع دولي من أجل السيطرة على خليج عدن و البحر الأحمر و باب المندب و التنافسية شديدة بين قطر و تركيا من جهة و الامارات و حلفائه من جهة اخرى، الجميع لديه اطماع في هذه المنطقة،  و محاولة البعض تصوير المسألة و كأنها بين سلطة تسيطر (مقديشو) و متمرد يحكم (ارض الصومال) هو تصوير مضلل و غير حقيقي.

لو اي شخص يتمعن في خريطة السيطرة الدولية في منطقة القرن الافريقي يجد أن إثيوبيا  تمتلك حصة في ميناء بربرة تعادل 19% و أيضا لها علاقات استراتيجية و اقتصادية مع جيبوتي و الامارات التي تمتلك قواعد عسكرية و موانئ في جيبوتي (خرجت قبل شهر) و مينار بربرة و ميناء بساسو و مناطق حدودية مع كينيا و في ارتيريا.

هذا غير ان جيبوتي الدولة الصغير بها قواعد عسكرية متنوعة (أمريكية و صينية و فرنسية و سعودية و يابانية)، كل هذا بجانب النفوذ التركي المتنامي في السودان و مقديشو.

و في الحقيقة بعد كل هذا هل أعتقد بأن حكومة الصومال تستطيع وقف اي اتفاقية تبرم بين جمهورية أرض الصومال و الامارات بخصوص ميناء بربرة الواقع في أرض الصومال و الذي تم فعلا بين مواني دبي و هرجيسا و أديس بابا؟.

مع أخذ كل ما سبق إضافة الى ان مقديشو و هرجيسا وقعتا اتفاقية بينهما في جيبوتي 2012م بشأن منح الأحقية لكل طرف بإبرام الصفقات التجارية، سيكون الجواب لا.. مع احقية مقديشو طبعا في تقديم اعتراض شكلي برلماني، و الاحتجاج و تسجيل موقف دولي و لكن كل هذا لن يمنع هرجيسا من إبرام الاتفاقيات مع من تشاء و متى تشاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق